إنَّ الحاجة إلى قاموس طبي متخصّص، سواء كان في صيغة موقع إلكتروني أو تطبيق ذكي، لم تعد ترفًا بل ضرورة ملحة لجميع المنتسبين للمجال الطبي، من طلاب وممارسين وصانعي محتوى. فالقاموس الطبي هو الجسر الذي يعبر بالمتعلّم والطبيب فوق هوة التعقيد اللغوي، ويزيل اللبس عن الآلاف من المصطلحات المتخصصة.
# ما هو قاموسك الطبي ؟
قاموسك الطبي هو منصة معرفية شاملة، تجمع وتُعرِّب وتُشَرِّح آلاف المصطلحات والمفاهيم الطبية المتداولة. ويهدف هذا القاموس إلى تيسير التعامل مع المادة العلمية الضخمة التي غالبًا ما تُكتب وتُدرَّس باللغة الإنجليزية، وتيسير استيعابها على الطلاب والعاملين في المجال الصحي.
# الأهمية الجوهرية للقاموس الطبي : أبعاد دينية وعلمية !
إنَّ أهمية القاموس الطبي المتخصص لا تقتصر على كونه أداة لغوية فحسب، بل هو مشروع حضاري واستراتيجي يلامس أبعادًا دينية، وعلمية، ولغوية، وعملية نبيلة. يمكن تلخيص الأهمية الجوهرية لوجوده في النقاط التالية:
1. البعد العلمي: إتقان المعلومة باللغة الأم
إحدى الحقائق التربوية الثابتة هي أنَّ الإنسان يفهم المادة العلمية ويستوعبها بعمق أكبر بلغته الأم. فالاعتماد على لغة أجنبية يخلق فجوة إدراكية تتطلب جهدًا مضاعفًا في الترجمة قبل الفهم. القاموس الطبي يعالج هذه المشكلة من عدة جوانب حيث يتيح القاموس فهم المصطلحات المعقّدة مباشرةً باللغة العربية، مما يوفّر الوقت ويُركّز الجهد على فهم المضمون العلمي بدلاً من فك شفرة الكلمات ومثال ذلك عند ترجمة مصطلح مثل "Hypoxia" إلى "نقص التأكسج"، يستوعب الطالب مفهوم نقص الأكسجين في الأنسجة فورًا، بينما بقاؤها بالإنجليزية قد يعيق ترسُّخ المفهوم.
2. البعد اللغوي: تحليل المصطلحات المعقدة ومواكبة التطور
تُعدّ المصطلحات الطبية المستخدمة حالياً مستمدة من اللغتين اللاتينية واليونانية، مما يجعلها تشكل فجوة كبيرة في الفهم حتى على المتقنين للغة الإنجليزية، نظرًا لطبيعة المصطلحات الطويلة المكونة من جذور وسوابق ولواحق قديمة لذلك جاء القاموس ليمنح المتخصص القدرة على تحليل المصطلحات الطويلة المعقدة إلى مكوناتها اللغوية (الجذر، البادئة، اللاحقة)، مما ييسر فهم معناه الكلي ومثال ذلك تحليل مصطلح "Nephrolithiasis" إلى (Nephro - كلية)، (Lith - حصاة/حجر)، (iasis - حالة مرضية)؛ يكشف معناه الكامل وهو "تحصّي الكلى" (وجود الحصوات في الكلى) وجاء هذا القاموس أيضا لتوحيد المصطلحات حيث وجود قاموس موحد يضمن عدم الوقوع في فوضى الترجمة وتعدد المقابلات الخاطئة للمصطلح الأجنبي الواحد ، مما يدعم المترجمين وصناع المحتوى والمناهج الطبية ، علما بأنه إذا كان هناك خطأ أو معاني غير دقيقة بسبب عدم مراجعتها لذلك يرجى التنبيه فوراً .
3. البعد العملي والاجتماعي: إزالة حاجز التواصل
القاموس الطبي أداة حاسمة لتحسين جودة الرعاية الصحية عبر تفعيل التواصل الواضح بين الطبيب والمجتمع فكثير من الأطباء يجدون صعوبة في شرح المرض للمريض بلغة بسيطة وواضحة فجاء هذا القاموس بفضل الله ليسد هذه الفجوة ويزيل ازدواجية اللغة بين لغة الدراسة (الأجنبية) ولغة التواصل مع الأهل والمواطنين (العربية) ومثال ذلك بدلاً من استخدام مصطلح " Hypertension" (الذي قد لا يفهمه عامة الناس)، يتيح القاموس للطبيب استخدام مرادفه الشائع والموضح: "ارتفاع ضغط الدم"، مما يحسن وعي المريض ويسهل التزامه بالعلاج , وجاء القاموس في الوقت ذاته لتفادي الأخطاء حيث يساعد القاموس المتخصص على سد فجوة الأخطاء التي تقع فيها برامج الترجمة العامة، والتي قد تعطي معاني مختلفة تمامًا للمصطلح الطبي كمصطلح labor ، فالترجمة العامة تقوم بترجمتها ب"تعب" أو "عمل" ولكن المعنى الطبي لها هو "المخاض" وهو لفظ عربي شائع ذكر في القراءن الكريم في قوله تعالى :
﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾
[ مريم: 23]
4. البعد الديني والثقافي: تعزيز مكانة لغة القراءن
لغة القرآن الكريم هي لغة قوية وقادرة وأحق من غيرها بحمل علوم الطب وتطويرها، وهو ما يعكس بعدًا دينيًا وحضاريًا مهمًا فجاء هذا القاموس ليدعم الجهود النبيلة لتعريب العلوم، ويؤكد على قدرة اللغة العربية على استيعاب المصطلحات العلمية الحديثة فتدريس وتداول العلوم باللغة العربية هو جزء أصيل من الحفاظ على الهوية الثقافية للأمة، ويضمن استمرار اللغة كلغة حية للعلم والمعرفة ، وذكر هذه النقطة في الآخر لا يقلل منها بل وضعتها ليكون رداً قاطعاً يكفي لوحده ليكون رداً على من يجد في قلبه شيئا في هذه القضية التي لا يتردد فيها من علم وعقل أن رب العالمين اختار هذه اللغة من بين جميع اللغات، وكثيراً ما أكد سبحانه وتعالى على عربية القراءن لعلكم تعقلون وتتقون .
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
[ يوسف: 2]
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾
[ سورة الرعد: 37]
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾
[ طه: 113]
﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾
[ الزمر: 28]
﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾
[ فصلت: 3]
﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾
[ الشورى: 7]
﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
[ الزخرف: 3]
﴿ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ﴾
[ سورة الأحقاف: 12]
# قد بينت بشكل مختصر عن أهمية وجود القاموس الطبي العربي وهذا الموضوع يحتاج إلى كتب لشرحه ليعطيه حقه , ونسأل الله أن يغفر لي تقصيري في البيان .
# نسأل الله أن يتقبل هذا العمل الصالح وأن يجعله خالصاً له سبحانه وتعالى وأن يوفقه ويبارك فيه ولا تنسوا الدعاء لي ولوالدي ولعائلتي والله وليّ التوفيق .